التركيز على ما في يدك: الخطوة الأولى نحو المبادرة

 

من النماذج التي تصنّف نوعيّة الأشخاص حسب الشغف والحماس في الحياة، هو نموذج (النار). يقسّم هذا النموذج الناس الى ثلاث فئات، كُلٌ حسبَ ناره.

أما الفئة الأولى، تمثّل غالبيّة الناس ربما، هي الفئة من الناس التي تملك النارًا (الشغف والحماس)، لكنَّ هذه النار تتأثّر بالظروف، فتخفت في بعض الأحيان بسبب ظروف سيئة، أو تتوهّج وتكبر حين تأتي فرصة، أو عند المرور بحادثٍ معيّن يحفّز الشخص. هؤلاء الناس – وهم الغالبيّة – لا يستمرّون بحماسهم، ولا يستمرّون أيضًا في فتورهم. إنهم يتأثرون بالمحيط والظروف التي حولهم.

أما الفئة الثانية، فهؤلاء أصحاب النار المطفيّة، الخاملين، فلا يمكن لشيء أن يوقظهم، إنهم نتيجة للظروف التي تتحكم بهم. ومن الصعب إشعال النار الخاصّة بهم.

أما الفئة الثالثة، فهي تلك التي تملك النار في داخلها (الشعلّة)، فلا تؤثر فيهم ظروف حسنة أو سيئة، إنهم شعلّة من الحيويّة والحماس، فالنار تقبع في الداخل، لا تتأثر بشيء.

بالرغم من تشابه الظروف والمعطيّات التي تطرأ على مختلف الناس، إلّا أن إختلاف العقليّة Mindset التي تقابل هذه الظروف ينتج عنها إختلافٌ كبير بالمصير والنتيجة، إذ أن نفس الظروف والمعطيّات التي تعرقل عمل شخصٍ ما، لن تؤثر على حماس وإندفاعيّة شخصٌ آخر (المبادر).

وإنَّ هذه العقليّة (الشعلة) هي التي علينا أن نسعى لإمتلاكها، فهي التي تجعلنا نحقق أحلامنا، وتجعل سعينا للأهداف لا يتأثَّر بالظروف. إنها العقليّة التي علينا أن نتخذها في إقبالنا على تجارب الحياة المختلفة، والتي بواسطتها يمكننا أن نفعل وسط الظروف التي يراها الآخرين غير مناسبة.

داخل عقليّة المبادر

إنَّ الخطوة الأولى من أجل فهم الإختلاف بين العقليّات المختلفة تكون من خلال التفريق بين فئتين من الأشياء التي نتعامل معها: الأشياء التي تقع داخل قدرتنا على التأثير، والأشياء التي تقع خارج قدرتنا على التأثير.

يكمن الفرق في أنَّ المبادر يضع جلّ تركيزه على الأشياء التي تقع داخل قدرته على التأثير (المهام التي تحت يديه)، بينما يركّز الآخرون على الأشياء التي تقع خارج نطاق قدرتهم على التأثير (المشاكل والظروف التي تمنعهم)، فتركيزهم هذا يعميهم عن رؤية الأشياء التي بإمكانهم البدء بها (كالعمل وإنجاز المهام الموجودة أصلاً)، وتجعلهم ينتظرون الحالة المثاليّة من أجل البدء، ويلومون ظروفهم الغير ملائمة.


 نمّو العقليّة

بمرور الوقت فإنَّ الأشخاص الذين يركّزون على ما يقع داخل دائرة تأثيرهم ستزداد قدرتهم على تمييز الفرص، فيرون الفرص والإمكانات في كل مكان. على العكس من الآخرين الذين الذين يستمرون بالتمني والقلق؛ هؤلاء ستنمو عقليتهم بهذا الإتجاه حتى يصعب عليهم النظر الى الخيارات التي أمامهم، إلّا ويرون التهديدات والمخاطر.

يمضي الوقت ويستمر النوع الأول في السعي ليفتح أبوابًا أمام فرصًا أخرى ويبحث عن نقاط القوّة، في حين يبقى النوع الثاني منتظرًا الموقف المثالي ليتحرك (وهذا الموقف لا يأتي له)، حينها لا يمكنه أن يرى ما يمكن فعله تجاه حياته (يصبح خامل) ونصادف في حياتنا العديد من الأشخاص من هذه النوعيّة.

أن تتعلّم التكيّف

بما إننا لا يمكننا أن نغيّر الأشياء التي خارج قدرتنا على التأثير فيها (مثل مكان الولادة، حالة الإقتصاد، أحداث الماضي) لذا فإنَّ أيَّ وقتٍ مصروفٌ فيها هو وقتٌ ضائع، لا يحلُّ من مشاكلنا. وعليه، علينا أن نتقبَّل الظروف، ونسعى خلف الأشياء التي يمكننا التأثير عليها فعلاً.

علينا التخلي عن الحياة التي نخطط لبدءها، من أجل ان نتقبل تلك التي تنتظرنا بالفعل.(*)

إنَّ أسلوب التفكير هذا هو ما يجعلك ترى فرصةً جديدة في حادثٍ يطرأ، وهو الذي يجعلك تتكيّف مع كل الظروف، فاعلاً فيها، لا ردّة فعلٍ منها.هكذا فأنت تتقبل التغيير وتتكيّف معه. إنَّك بذلك تجيّر الظروف من أجل مصلحتك. لا أن تنتظر الظروف المثاليّة لأجل البدء.

وقت حيّ، وقت ميّت (**)

بعد فترة سننظر إلى الأيام الماضيّة وستكون إمّا أيامًا أستفدنا منها، أنضجتنا، علّمتنا وجعلتنا ننمو (وقت حياة)، أو إنها أيامٌ مضت وشطبت من جدول حياتنا، فلا هي أضافت لنا، ولا هي حركتنا (وقت ميّت). إنها فقط أيامٌ تمضي من عمرك. ودائمًا تكون لك الحريّة في أن تختار؛ أن يكون وقتك حيًا، أو ميتًا، أن تنظر الى ما يقع خارج نطاق سيطرتك، أو التركيز على ما في يدك.

إنَّ حسّ المبادرة يبدأ من قناعتك أولاً بأن لك يدًا فيما يحدث لك، إنَّ لك القدرة على التأثير في حياتك. لديك حياة واحدة، فلم تجعلها رهنًا للظروف، للعائلة، للمكان الذي ولدت فيه؟ إن الإحتمالات لا نهائية والفرص في كل مكان.

بالتأكيد هناك ظروف أفضل من أخرى لكن الوقوف والتباكي هو أسوء طريقة لتحسين وضعك. تقبل ما طرأ عليك وأنظر الى ما يمكنك فعله. فبالنهاية، بلا مبادرة ستكون مجرّد رقم تتحكم بك الظروف. واحدٌ من ملايين.

في إحدى الأيام، قامت إحدى شركات الأحذية بإرسال أثنين من رجال مبيعاتها إلى قارّة أفريقيا من أجل تحديد إمكانيّة الدخول للسوق هناك. تم إرسال أحد رجال المبيعات إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، بينما تم إرسال البائع الآخر إلى الساحل الغربي. بعد إكمالهما مسحهما للمنطقة، أرسل البائع (الذي أرسل إلى الساحل الشرقي لأفريقيا) الى شركته يقول: "إنهم لا يعرفون الأحذيّة بعد، لا يوجد سوق لنا هنا!"، في حين أن البائع الآخر أرسل رسالة مفادها "إنهم لا يعرفون الأحذيّة بعد، هناك سوق ضخم بالنسبة لنا، أرسل المخزون بسرعة!".

* - جوزيف كامبل
** will you choose alive time or dead time
*** للإستزادة، كتاب ستيفين كوفي (العادات السبع للناس الأكثر فاعليّة)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفائدة الأكبر للقراءة

كيفية كسب المعرفة

تدوينات رجل مبيعات