القوّة الخارقة في عصر التشتت


قبل خمسين سنة من الآن كان الحصول على المحتوى (باشكاله المختلفة) أكثر صعوبة من اليوم؛ فلكي تعرف المستجدات، ستعتمد على الجرائد ونشرات الاخبار على الراديو، وما يتم تناقله من إشاعات.

ولو إنك تريد الإستماع لأغنية، ستضطر الى ان تحفظها في المسجلات القديمة، بالنقل من صديق لك ليصل اليك بجودته الرديئة.

تيّسر الحال اليوم، الأنترنت جاء نعمةً تدخل في كل تفاصيل حياتنا وسهلها. أصبحت موسوعة بحجم ويكيبيديا تبعد بمقدار ضغطة زر. ولو أردت الإستماع لشيء معين، سترى أمامك مكتبة يوتيوب الرقمية التي تحتوي على كل شيء تفكر به.

إن هذه السهولة التي رافقت تطوّر الأنترنت، جعلت المحتوى يأتينا حين نطلبه، بل حتى حين لا نطلبه.

فمثلاً؛ يمكنك اليوم تصفح فيسبوك، وان ترى الكثير من الفيديوات والموسيقى والأخبار التي لم تطلبها أساسًا.

هذه السهولة المفرطة أدّت بنا الى الإدمان على المحتوى.

أصبحنا مدمني المدخلات التي تأتينا، لا يمكننا التوقف، أصبحنا على إستعجال دائم لتلقي المزيد والمزيد.

(1)

إن عالم اليوم هو عالم التشتت بأمتياز، حيث لا نملك توجهاً واحداً نحو شيءٍ واحد. أصبح التشتت إدماناً لنا، أصبحنا نعجز عن الوقوف للتفكير؛ فلو توقفت للحظة لغرض التفكير، ستجد نفسك تتفقد الهاتف بعد لحظاتٍ شاعراً بالملل. بل إن سرعة العصر أدّت بنا الى أن لا نكتفي بالفعل الواحد للحظّة. إننا الآن، نستمع للموسيقى حين نريد التفكير. ونشاهد التلفاز حين نريد الأكل، نتصفح الهاتف حين نقف للحظات في الإزدحامات والطوابير.
فقدنا الإستمتاع بالعمل الواحد، أن نأكل لغرض الأكل والإستمتاع به. أن نستمع للموسيقى لغرض الإستماع فقط.
إننا مدمنين للمدخلات على حياتنا، لا يمكننا ان نتوقف دون مدخل معيّن يطرأ علينا (موسيقى، العاب، هاتف، سيجارة، او اي شيء) وحين خضعنا للتشتت؛ فقدنا التركيز. وعمل دون تركيز، هو عمل دون فاعلية.
خيّل إلينا هذا الإنشغال بأنه إنتاج. وبأن رجل الأعمال الناجح هو المشغول دائمًا بكومة من المهام المناطة به، ولذا هو لا يملك المجال لكي يتفرغ للمهمّة الواحدة في الوقت الواحد، فهو يقطع عمله الكثير من الإتصالات والإجتماعات.
العصر الحالي هو عصر المشتتات، كميّة المشتتات الموجودة هائلة، ولأجل التميز في هذا الجوّ عليك التحلي بالقوة الخارقة الموجودة في عصرنا هذا: التركيز.

(2)

 

إنّ سيل المدخلات الذي نتلقاه في هذا العصر يحتاج للوقوف برهة، لعملية معالجة. أن نتوقف قليلاً للحصول على لا شيء، لا مدخلات، هكذا تتولد الأفكار المختلفة.
إنّ المشكلة التي نواجهها هي ما ان نبدأ بالتركيز والتفكير في قضيةٍ معيّنة، حتى ننشغل بموضوعٍ آخر، ومن ثم نعود لإستكمال التفكير، وكأن التفكير شأنه شأن أي واجبٍ ميكانيكي أو روتيني.
فالاعمال الروتينية (عكس الاعمال العقليّة) لا تتأثر بهذا التشتت، بل ربما تتطلب التشتت لأجل الإنجاز مثل السكرتير او موظف الدعم الفني الذي يتلقى الاتصالات دائماً.
لكنّ إن كنت في مجال تكون فيه الافكار عاملاً مؤثراً. عليك إبعاد وسائل التشتت، أن تمنح نفسك الوقت للتفكير في المسألة الواحدة، بدون تشتت، هذا الأمر هو ما يفتقده معظم الناس، ولذا فهو قوة خارقة ستكون لمن يمتلكه، في عصر أصبحت المشتتات فيه من كل جانب، واصبح الانشغال علامة الإنجاز.

(3)

في عصر السرعة، أصبح التفكير العميق حالةً يصعب الوصول لها، نحن المشتتين دائماً في مهامنا التي لا تنتهي، والتي لا نستطيع اللحاق بها. اذ ان المواعيد النهائية (Deadlines) تلاحقنا دوماً، ونحن متأخرين عنها دائماً.
إنها دعوة أن تمنح لنفسك نظاماً. ان لا تتصفح الانترنت بأي وقت، وان تستمتع بالعمل الواحد وتقدّره.
ان الحدود التي نضعها لانفسنا، الزمنية منها وحدود قدراتنا هي حدود وهمية، متخيّلة من قبلنا. والعمل العميق هو وسيلة لكي نكسر هذه الحدود، ولكي نتخطاها.. جرّب العمل على عملٍ ذهني لمدة ساعة دون إنقطاع، أظنك ستتفاجأ بقدرتك، ان هذه هي القوة الخارقة للعمل اليوم. ما أفضل ما يمكن أن تصل إليه؟ هذا هو السؤال الذي يجيبك عنه عملك المركز.

"عليك معرفة أمر مهم، لا يمكنك ركوب حصانين في آن واحد، فإن أردت أن تكون حراً وعفوياً وموجوداً في اللحظة الحاضرة، فلن يكون بمقدورك أن تكون رجل أعمال. ما عليك إلا اختيار أمر من اثنين ….. من هنا، وإن كنت مثلاً، راغباً بالتحرر والعفوية، وبأن تكون في اللحظة الحاضرة، فما عليك إلا تغيير نمط حياتك، إلا تغيير نظرتك للأعمال. إجعل قيامك بأعمالك، أشبه بممارسة التأمل… كن حرّاً وهكذا تتعرف إلى حقيقة الحياة."
- أوشو

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفائدة الأكبر للقراءة

كيفية كسب المعرفة

تدوينات رجل مبيعات